سعادة الوديع... وديع سعادة...
Wadieh Saadeh
عندما كان يصغي إلى الهدوءِ في حديقةِ العظماءِ المسيّجةِ بشوكِ عناقيدِ الحسدِ وسلطتِها الحاقدةِ، انقضّت أظافرُ كلماتِ الآخرين ومزّقت قميصَه الثائرَ والساكنَ صخباً بين جدرانِ عطرِ جسدِه، فما كان من مياهِ البحيراتِ إلا أن أجبَرت نفسَها على الصمتِ لحظةَ لامست فوضى التمزيقات...
وقبل الفجرِ، حملت لنا عصافيرُ الثلجِ الدافئةُ جذعين من شجرِ الجوزِ المخمّرِ والمعتّقِ وأجلستنا على ما تبقّى من اخضرارٍ حولَ أطرافِ حشائشِ الجرجيرِ اليابسِ والمحنّطِ وسط نهرِ قريتي المبلّلِ بغيابِ صريخِ ضفادعِ الشعراءِ العابرين صدفةً في عصورِ موكبِ الغيومِ السوداء المرابطةِ على حدودِ كوكبِ الألمِ لتخطفَ وفي السرِّ وجعَ الآخرين...
ما إن جفَّ حلقُه قليلاً حتى سحبَ يدَه بلطفٍ من المياهِ الملوّثةِ بتاريخِ القصائدِ المنسيّةِ ونفضَها في هوائِنا الكاتمِ تعتيماً لتنفجرَ حركةُ أمواجِ الفضاءِ بـ"رجلٍ في هواءٍ مستعملٍ يقعدُ ويفكرُ في الحيوانات". فجأة، انتفضت قصائدُه وهربت بين غبارِ وضبابِ البساتينِ الحديثةِ لتكتبَ وتحفرَ في تربتِها خيوطاً من بقايا قميصِه في إيقاعٍ معاصرٍ وبروحيّةٍ كلاسيكيّة...
من جيوبِه المهترئة، وقعت بذورُ أغصانِ السنديانِ البريّ في حديقةٍ صغيرةٍ، فحصدنا مساحاتٍ من فكرِه الشعريِّ في زمنِ ذهبيةِ الحداثةِ التي تتأرجحُ بين الضياعِ والتشرّدِ إلى أن جاءَ و"رتقَ الهواءَ" بكلِّ فراغاتِه بشِعرٍ أصيلٍ وبمشهديّةٍ فنيّةٍ وكأن "ليس للمساء أخوة". عندها، تجمّعت حولَنا مظاهراتٌ من ضباعِ الليلِ والسماءِ الغارقةِ في وحلِ الأرضِ الكاذبةِ، فوقفَ ومشى "بلا إله بلا وهم" وخطى بحِرَفيّةٍ مذهلةٍ باتجاه مستودعِ الهواءِ الآتي من نبعِ صقيعِ الفقراءِ الناشرِ عراه على أرصفةِ وزواريبِ مدينةِ بيروتَ والمدنِ المشابهةِ لها، وما أكثرها!...
فجأة، انقطعت أزرارُ قميصِه وحلّقَت في البحرِ عمودياً بخيطانِها الحمراء التي تُشبِهُ حبالَ مراكبِ السفرِ المتينةِ وقد اتّجهت إلى مقاهي النميمةِ والسرّاقين الذين يحاولون طمسَ هوائِنا في "نص الغياب"... أبعدَ عن صدرِه المكشوفِ "ذاكرة المكان" المزيّفِ وغرس حولَ عنقِه شجراً مثمراً بالشعرِ ليغدوَ سهلاً من الصدقِ الأدبي يندهُ لـ"ذاكرة الرغبة" في ملحمةٍ جوهرُها "محاولةُ وصلِ ضفتين بصوت" فعلت نبرتُه الناعمة في منفى سمائِنا المليءِ بالهروبِ نحو الفراغاتِ الشاهقة، وكلُّ ذلك بسببِ "غيمةٍ على الأرجح"...
وعلى خشبةِ المسرح، درزنا وبإتقانٍ فنيّ مميّز سينوغرافيا من وبرِ خيوطِ قميصِه ومزجناها كعقدةٍ راسخةٍ بأسلاكِ كواليسِ نصِّنا الشعري، فجاءَ العرضُ المسرحيُّ متكاملاً، راسماً حركةَ أبعادِ رؤيةِ قصائدِه في فكرِه المتجدّد بخوصيّتِه النادرة وبترجمةٍ دراميةٍ ركيزتُها جماليّةُ الفكرِ وتطويرِهِ مشهدياً...
انتهى العرضُ... خرج الجمهورُ من القاعةِ الى السجونِ حاملاً مسبحةَ قميصِه المطليّةِ بالزيت المباركِ من خابيةِ مسرحِنا الطليعي ليَتلوَ صلاةَ الشعرِ بنبرةِ الحرية...
من أعمقِ نقاطِ الغيوم.. من منابرِها.. اسطفّت مواكبُ طيورِ البجعِ المغادرةِ احتراماً له وقد غرّدت أياماً كتحيّةٍ لبيان الإخلاصِ للشاعر... بعدها، تباركت من زيتِنا المقدّس وحملته معها هديّةً للشعوبِ المنكوبةِ ثقافياً كإيمان مطلقٍ بمنهجيةِ حياةٍ جديدةٍ في الفنِ الملتزم بالإنسان... غنّت الطيورُ ورقصت طويلاً للتغيير حتى داخت، فهطلت مياهٌ مباركةٌ وبخّرَتِ الشِعرَ المصطنع.. شردت لحظةً قبلَ أن تحمّمَ ريشَها برائحةِ ترابِ الغربة وتكملَ طريقَها فرحةً بسلامِها الداخلي...
انتشرَت التراتيلُ آياتٍ من خبزِ الخلودِ المعجون بـ"المياه المياه" فصار للمكانِ كلماتٌ وللزمانِ حركةٌ وللإنسانِ سعادة...
وقبل الفجرِ، حملت لنا عصافيرُ الثلجِ الدافئةُ جذعين من شجرِ الجوزِ المخمّرِ والمعتّقِ وأجلستنا على ما تبقّى من اخضرارٍ حولَ أطرافِ حشائشِ الجرجيرِ اليابسِ والمحنّطِ وسط نهرِ قريتي المبلّلِ بغيابِ صريخِ ضفادعِ الشعراءِ العابرين صدفةً في عصورِ موكبِ الغيومِ السوداء المرابطةِ على حدودِ كوكبِ الألمِ لتخطفَ وفي السرِّ وجعَ الآخرين...
ما إن جفَّ حلقُه قليلاً حتى سحبَ يدَه بلطفٍ من المياهِ الملوّثةِ بتاريخِ القصائدِ المنسيّةِ ونفضَها في هوائِنا الكاتمِ تعتيماً لتنفجرَ حركةُ أمواجِ الفضاءِ بـ"رجلٍ في هواءٍ مستعملٍ يقعدُ ويفكرُ في الحيوانات". فجأة، انتفضت قصائدُه وهربت بين غبارِ وضبابِ البساتينِ الحديثةِ لتكتبَ وتحفرَ في تربتِها خيوطاً من بقايا قميصِه في إيقاعٍ معاصرٍ وبروحيّةٍ كلاسيكيّة...
من جيوبِه المهترئة، وقعت بذورُ أغصانِ السنديانِ البريّ في حديقةٍ صغيرةٍ، فحصدنا مساحاتٍ من فكرِه الشعريِّ في زمنِ ذهبيةِ الحداثةِ التي تتأرجحُ بين الضياعِ والتشرّدِ إلى أن جاءَ و"رتقَ الهواءَ" بكلِّ فراغاتِه بشِعرٍ أصيلٍ وبمشهديّةٍ فنيّةٍ وكأن "ليس للمساء أخوة". عندها، تجمّعت حولَنا مظاهراتٌ من ضباعِ الليلِ والسماءِ الغارقةِ في وحلِ الأرضِ الكاذبةِ، فوقفَ ومشى "بلا إله بلا وهم" وخطى بحِرَفيّةٍ مذهلةٍ باتجاه مستودعِ الهواءِ الآتي من نبعِ صقيعِ الفقراءِ الناشرِ عراه على أرصفةِ وزواريبِ مدينةِ بيروتَ والمدنِ المشابهةِ لها، وما أكثرها!...
فجأة، انقطعت أزرارُ قميصِه وحلّقَت في البحرِ عمودياً بخيطانِها الحمراء التي تُشبِهُ حبالَ مراكبِ السفرِ المتينةِ وقد اتّجهت إلى مقاهي النميمةِ والسرّاقين الذين يحاولون طمسَ هوائِنا في "نص الغياب"... أبعدَ عن صدرِه المكشوفِ "ذاكرة المكان" المزيّفِ وغرس حولَ عنقِه شجراً مثمراً بالشعرِ ليغدوَ سهلاً من الصدقِ الأدبي يندهُ لـ"ذاكرة الرغبة" في ملحمةٍ جوهرُها "محاولةُ وصلِ ضفتين بصوت" فعلت نبرتُه الناعمة في منفى سمائِنا المليءِ بالهروبِ نحو الفراغاتِ الشاهقة، وكلُّ ذلك بسببِ "غيمةٍ على الأرجح"...
وعلى خشبةِ المسرح، درزنا وبإتقانٍ فنيّ مميّز سينوغرافيا من وبرِ خيوطِ قميصِه ومزجناها كعقدةٍ راسخةٍ بأسلاكِ كواليسِ نصِّنا الشعري، فجاءَ العرضُ المسرحيُّ متكاملاً، راسماً حركةَ أبعادِ رؤيةِ قصائدِه في فكرِه المتجدّد بخوصيّتِه النادرة وبترجمةٍ دراميةٍ ركيزتُها جماليّةُ الفكرِ وتطويرِهِ مشهدياً...
انتهى العرضُ... خرج الجمهورُ من القاعةِ الى السجونِ حاملاً مسبحةَ قميصِه المطليّةِ بالزيت المباركِ من خابيةِ مسرحِنا الطليعي ليَتلوَ صلاةَ الشعرِ بنبرةِ الحرية...
من أعمقِ نقاطِ الغيوم.. من منابرِها.. اسطفّت مواكبُ طيورِ البجعِ المغادرةِ احتراماً له وقد غرّدت أياماً كتحيّةٍ لبيان الإخلاصِ للشاعر... بعدها، تباركت من زيتِنا المقدّس وحملته معها هديّةً للشعوبِ المنكوبةِ ثقافياً كإيمان مطلقٍ بمنهجيةِ حياةٍ جديدةٍ في الفنِ الملتزم بالإنسان... غنّت الطيورُ ورقصت طويلاً للتغيير حتى داخت، فهطلت مياهٌ مباركةٌ وبخّرَتِ الشِعرَ المصطنع.. شردت لحظةً قبلَ أن تحمّمَ ريشَها برائحةِ ترابِ الغربة وتكملَ طريقَها فرحةً بسلامِها الداخلي...
انتشرَت التراتيلُ آياتٍ من خبزِ الخلودِ المعجون بـ"المياه المياه" فصار للمكانِ كلماتٌ وللزمانِ حركةٌ وللإنسانِ سعادة...
2-2-2016
When he was listening to the silence in the garden of great people, fenced with the thorns of jealousy and its malevolent authority, he was attacked by the others and their fingernails tore his shirt, his revolting shirt, the one that lived loud amid the walls of his body scent, and the waters of the lakes vowed silence the moment they were touched by the chaos of the tears…
And before dawn, the warm snowbirds came carrying a couple of walnut tree trunks, fermented and aged. They sat us on whatever green was left around the edges of the dry mummified watercress grasses in the middle of my town’s river damped with the absent croaks of poets passing coincidentally in the times of black clouds convoys lurking on the horizon of the planet of pain, to secretly take away the pain of all others…
As his throat started to dry out, he gently pulled his hand out the water polluted with history of poetry long forgotten, and in our dark choking air he shook his hand to explode in the space, waves of “A man in used air sitting and thinking about the animal”. Suddenly, his poems rose up and ran away amidst the dust and the mist of modern orchards, to write and to carve on its soil strings of the remains of his shirt in contemporary tempo and classic spirit…
Out of his weary pockets in a small garden fell the seeds of wild oak branches, for us to reap acres of his poetic intellect in the golden age of modernity swinging between perdition and penury until he came along and with original poetry “filled the air”, every last vacancy, with the artistic scenery of a night with no siblings. Then gathered around us demonstrations of night hyenas and skies drowning in the mud of the lying earth, he stood up, “without god nor delusion” but with amazing skillful steps he walked, towards the air reserve springing from the cold of the poor and their nakedness, scattered down alleys and sidewalks of Beirut and the many cities alike…
Suddenly, the buttons of his shirt fell off and vertically flew in the sea, with its red strings resembling the robust ropes of passenger boats as they to the cafes of gossip and thieves who are trying to blur our air in “The text of absence”… Away from his bare chest he moved the fake “memory of the place” and he planted poetry-bearing trees around his neck turning into a plantation of honest literature calling for the memory of desire in an epopee about trying to join “two banks with a voice”. And so, his gentle tone rose up in the exile of our sky filled with escape towards empty heights, and all that was because a cloud most probably…
On the stage, we carefully weaved a scenography from the fibers of his shirt’s strings and like a lingering problem we scrambled them with the backstage cables of our poetic script to result in an integrated theatrical play, depicting the movement of the dimensions of the vision of his poems in his progressive thinking and his rare individuality and a dramatic interpretation based on the aesthetics of the idea and its further scenic development…
The show was over… the spectators left the hall to the prisons carrying the rosary of his shirt damped in blessed oil from the jag of our pioneering theatre to tell a prayer of poetry in a free tone of voice…
From the deepest points in clouds… from their podiums… lined up flocks of migrating swans in awe from him after they had sang for days in a display of loyalty to the poet… after, they were blessed with our holy oil and carried it along, a gift to the culturally damned as an absolute belief in a new way of life through humanly devoted art… the birds sang and danced for change till they were dizzy, and down came raining holy water washing out the pretentious poetry… for a short while they strayed before they bathed their feathers in the smell of earth overseas to carry on their wayward happy with their inner peace…
The lullabies spread verses of eternity bread made with “the watery water” giving word to the place, movement to the time and happiness to the man…
2-2-2016
Translated by Maroun BAKHOS.
-------------------------
الرابط أدناه: قصيدة "بقليل من الحطب بقليل من الدخان" للشاعر وديع سعادة وبصوته
The link below: "A little firewood, a little smoke" is a poeme by Wadih SAADEH in his own voice:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق